شريط المواضيع

27‏/12‏/2012

ام جواد وبيت الحلوات



هي سيدة تبلغ من العمر شئ وستين، مطلقة لانها لا تنجب، تبيع الباقلاء للحي لتصرف على نفسها واخيها العاطل المتزوج ذي الثلاثة ابناء، تسكن في بيت اهلها الذي لا يتجاوز المئة متر بسقفة الجذعي القديم القابع في دهاليز الازقة القديمة حيث تسمع هناك شجارات الجيران وتستنشق مجبراً رائحة الشاي و وجبات الطعام،  بعد ان خلصت بيت اهلها من مخالب الورثة بشق الانفس ومحاكم و محامين وهي لا مصدر رزق لديها سوى ما تجود عليها اختها الاصغر والاجمل و المتزوجة من رجل غني ، ام جواد مدمنة تدخين درجة اولى، قد سرق منها الزمن كل اشكال الجمال عدا جمال الروح، ترتدي الملابس التي لا لون لها لكثرة غسلها، التقيت بها مرة وهي في بيت الحلوات هذا ما اطلقه اهل الحي على بيت اختها لان هناك تعيش سبع فتيات جميلات كلهن في عمر الزواج لكن لا تعرف احداهن ان تضع خيط في ابرة، كان المطبخ يطفو بماء المجاري، و لا مفتاح كهربائي يعمل في ذلك البيت، والثلاجة عبارة عن دولاب اضافي لانها معطلة و غير قابلة للاغلاق، لكن لا احد يهتم، فبيت الحلوات عامر بالضحك والطعام و الاقرباء،كل هذا في غرفتين احداهما واسعة، كل العائلة تضع ملابسها في دولاب واحد بثلاث ابواب، الضيوف يأتون طمعا برؤية الحلوات عسى ولعل تقتنع احداهن بخطيب لا يركب سيارة أخر موديل وأبيه ليس في منصب حكومي، كانت اخت امهن لكن تختلف اختلافاً جذرياً بكل ما في الكلمة من معنى، كانت طبيعية ومرحة و لاتخجل من حقيقة كونها تفتقر الى المال على عكس الحلوات تماماً،فطلباتهن و اصرارهن على لون معين ينافسن به المرحومة (الليدي ديانا)، كانت ام جواد تحمدالله كثيراً وهن يبكين لقلة الحظ، حيث لا تعيين بمعدل التسعة والخمسين الذي ارهقن ليالٍ طويلة للحصول عليه، فليس من العدل ان تكون جميلة وذكية في نفس الوقت!كن يشاجرن خالتهن ويطردنها لو انتقدت تصرفاتهن، وانا لدي العديد من الانتقادات لو تسألونني احتفظ بها لنفسي.نصحتني مرة :" لا شئ ينفع سوى الصحة، لا مال ولا زوج ولا بنون، كلهم سيتخلون عنك يوماً ما، لو عافاك الله فقد اغناك".
قبل بضعه ايام ذهبت لتتسوق لاختها كالعادة  فجاء سائق شاب متهور لينهي معاناة ام جواد وخدمتها في بيوت اخواتها، لينهي ستة عقود من الصبر والذل والعوز، لا اعرف هل كانت ام جواد تحب ان تعيش اكثر؟ هل كانت تحب نمط حياتها؟ لكن لو كنت مكانها لتمنيت هكذا نهاية، أجدن الحلوات تمثيل قمة الحزن والتأثر على خالتهن التي خطفها الموت ((مبكراً))، ليجمعن (الواجب)، اقصد ليوأدين الواجب .

هناك تعليق واحد:

  1. لا حول و لا قوة إلا بالله ، كانت النهاية صادمة لي يا نور ، رحمها الله ، و ما أقيمها من نصيحة قالتها لكِ "لو عافاك الله فقد اغناك" .

    أحييك يا نور على سردك للأحداث فقد اندمجت كثيراً فيها و فاجأتني النهاية جدا :( .

    ردحذف