شريط المواضيع

11‏/8‏/2012

شبح الصامتة

مراجعة الصحفي:
تحسين الرزكاني
عابثة، ضاحكة، مزعجة بصوتها العالي ،عنيدة ، كما كانت جميلة، وهذا ما حيّر بها اهلها قبل الشيوخ . تتباهى بشعرها الطويل الذي يرقص معها حين تقفز، وترفض الضفائر ،كثيرة القفز هنا وهناك ،لا تستمع لنصائح جدتها ،وتمتنع من الدخول الى البيت ساعة الغروب ولا تصدق ان هناك ارواحاً تسكن الاجساد وتعيث فيها الفساد.

لم تكترث كما تعودتً لأي نداء بتهذيب ،وفي يوم من الأيام ركنت الى الهدوء الذي لم يكن ضمن مفردات قاموسها، صمتت وتركت الكلام  ،جلست تلعب وحدها، مع رفيق لاوجود له الا في خيالها كباقي الاطفال الوحيدين ، على الرغم من انها ليست البنت الوحيدة فالبيت ملئ بأصوات الاطفال وضوضائهم، فما حاجتها إلى الكلام وهناك من يسمع افكارها ويكلمها من وحيها؟
قلق الاهل من وضعها !!! ومن التنقل بين الاطباء والمستشفيات التي كانت تؤكد ان لا مرضا عضويا فيها، وستتكلم متى ما رغبت بذلك.
اما العرافيّن فأوهموا الأهل، بعشق الجني لها، ورفضوا الضرب او الشعوذات التي يمكن ان تُخرج منها جنيها.
كان الجميع ينظر اليها بشفقة، على الرغم من ذلك كانت سعيدة جدا ,وتؤدي كل ما يطلب منها حتى ان كان صعباً، وكأن هناك شخص يعينها في العمل.
وكبرت الطفلة وكبر معها رفيقها في خيالها ليصبح فارس اوهامها ، كانت تبتسم حين تشعر به يداعب شريط ثوبها، او ينفخ الهواء على وجهها فيتحرك شعرها دون نسمات هواء !!
كان لتلك الطفلة تأثير على كل من يمر بقربها ،الحيوانات تهدأ بمرورها، وبعضها يأمن بقربها، وصارت للفتاة هيبة يتوجس منها الكبار ريبة ،ويدب الرعب في قلوبهم ،اذا ما اغضبوها نتيجة تجارب كثيرة، كانت تترك في فراشها نصف المكان فارغا لا يشغله أحد!!.
وعلى الرغم مما فيها، حان موعد ذهاب الفتاة الى بيت الزوجية ،انه المكان الطبيعي لقريناتها ،لكنها كانت تبكي احياناً، فحين تقبل بالخطيب يغير رأيه، او تحصل له حادثة، او انه يراها سوداء البشرة قبيحة ،على خلاف ما كانت فهي بيضاء مليحة الملامح !!
وبعد وفاة ابويها ، اصرت جدتها العجوز على ان تذهب بها الى احد العرافين عساه يكون قادرا على ان يضعها في بيت الزوجية لتطمأن الجدة عليها.
وأخذ المشعوذ يمارس الطقوس الى ان شعرت بأن من كان يساعدها طيلة سنوات طفولتها وصباها ،لاوجود له بل كان من نسيج الخيال حتى شاهدت شبحاً اسوداً يغادر غرفة الطقوس.
عاشت ايام وحدتها بصعوبة، وقبلت بالعريس، وكيف لها ان ترفض دون سماع صوت يمنعها او يصور لها ما كانت تراه في سابق الأيام ،ورسم لها القدر شيطانا سكيرا بهيئة رجل ،ما ان اغلق عليها الباب حتى هددها بالقتل، لو فتحت الباب في غيابه ،كان صادقاً في تهديده ووعيده!
كان الزوج بخيلاً يأكل كما الحيوانات ،وزاد صمتها صمتا لا تعرف ماذا تفعل والى اين ستذهب؟ ربما كان القدر قد رسم لها هذا النصيب ويجب عليها ان ترضى به .
كانت رائحة الخمر تفوح من البيت ، والملابس المتسخة تملا المكان ، وفجأة شعرت الصامتة بنسمة هواء!! ابتسمت لها!! متصورة ان المروحة تحركت ،لكنها تذكرت ان زوجها لم يدفع قرشاً هذا الشهر ,شاهدت النقود تقع من جيبه وهو خارج ،ركضت مسرعة خلفه لكنها لم تتمكن من الوصول اليه ،ارادت ان تناديه ،فتذكرت انها صامتة بلا صوت.
فخبأت النقود ، وفي اليوم الآخر تكرر الشيء نفسه ،أيمكن ان تكون صدفة !! النقود كانت تسحب من جيب زوجها وترمى على الارض وكأن يدا تحركها !!.
فخبأتها مع سابقها ،وفي ذات النهار دق الباب جابي الكهرباء ،أعطاها الفاتورة ،فأخرجت له النقود ودخل عليهما الزوج سكرانا ،حين شاهد النقود بيدها جن جنونه وما ان خرج الموظف!!.
ركض وأحضر عصاه السميكة من المطبخ، واغلق الباب ودخل ليرتكب جريمته.
سألها : هل تسرقيني؟
هزت رأسها نافية.
لم يصدقها، فامسكها من عنقها ،وفجأة سقطت من يده العصا، وهوى مرتجفا على الارض، فابتعدت عنه دون ان تحرك ساكناً، في داخلها كانت تتمنى موته لينهي معاناتها.
انتهت نوبة رعشته، وقام بهدوء ،فشعرت ان  شيئا قد تغير في زوجها، فيداه وقامته تبدوان اطول !! وعياناه اوسع، بعضلات مفتولة ،لا حرارة في جسمه ولا اثر رائحة الخمر التي تعودتها. إقترب منها فرجعت الى الوراء ،نفخ على وجهها فطارت بضع شعرات خائفة ،
فامسك وجهها برقة ،وابتسم وقال لها بصوت كأنه فحيح: لا تخافي فقد انتهى كل شيء ، ولن ادع شيء يؤذيك بعد الآن
فأجابت بصوت يرتجف: اشتقت اليك.
النهاية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق